الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير ابن عبد السلام ***
{قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (36)} {أَرْجِهْ} أخره، أو أحبسه. ولم يأمروا بقتله لأنهم رأوا منه ما بهر عقولهم فخافوا الهلاك من قِبله، أو صرفوا عن ذلك تأييداً للدين وعصمة لموسى عليه الصلاة والسلام، أو خافوا أن يفتن الناس بما شاهدوا منه ورجوا أن يغلبه السحرة. {إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ (54)} {لَشِرْذِمَةٌ}: سفلة الناس، أو العصبة الباقية من «عصب كبيرة»؛ شرذمة كل شيء بقيته القليلة، والقميص إذا أخلق شراذم، وما قطع من فضول النعال حتى تحذي شراذم. وكان عدد بني إسرائيل لما قال ذلك ستمائة ألف وتسعين ألفاً، أو ستمائة وعشرين ألفاً لا يعدون ابن عشرين لصغره ولا ابن ستين لكبره، أو ستمائة ألف مقاتل، أو خمسمائة ألف وثلاثة آلاف وخمسمائة مقاتل واستقل هذا العدد لكثرة من قَتَل منهم، أو لكثرة من معه، كان على مقدمته هامان في ألف ألف وتسعمائة ألف حصان أشهب ليس فيها أنثى، أو كانوا سبعة ألاف ألف. {وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ (55)} {لَغَآئِظُونَ} لأنهم استعاروا حُلِي القبط وذهبوا به مغايظة لهم، أو لقتلهم أبكارهم وهربهم منهم، أو بخلاصهم من رقهم واستخدامهم. {وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ (56)} {حَاذِرُونَ} وحاذرون واحد، أو الحَذِر الخائف والحاذر المستعد أو الحذر المطبوع على الحذر والحاذر فاعل الحذر، أو الحذر المتيقظ والحاذر آخِذُ السلاح لأن السلاح حذر. {وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (58)} {وَكُنُوزٍ} الخزائن، أو الدفائن، أو الأنهار {وَمَقَامٍ كَرِيمٍ} المنابر «ع» أو مجالس الأمراء، أو المنازل الحسان، أو مرابط الخيل لتفرد الزعماء بارتباطها عدة وزينة. {فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ (60)} {مًّشْرِقينَ} حين أشرقت الشمس بالشعاع، أو أشرقت الأرض بالضياء، أو ناحية الشرق شرقت الشمس: طلعت وأشرقت: أضاءت. وتأخر فرعون وقومه عنهم لاشتغالهم بدفن أبكارهم لأن الوباء تلك الليلة وقع فيهم، أو لأن سحابة أظلتهم فخافوها حتى أصبحوا فانقشعت عنهم. {فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61)} {لَمُدْرَكُونَ} ملحوقون لأنهم رأوا فرعون وراءهم والبحر أمامهم. {قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (62)} {كَلآ} زجر وردع {سَيَهْدِينِ} إلى الطريق، أو سيكفيني. {فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (63)} {فَانفَلَقَ} أثني عشر طريقاً لكل سبط طريق عرض كل طريق فرسخان وكان ذلك ضحوة النهار يوم الأثنين عاشر المحرم بعد أربع ساعات من النهار. والبحر بحر النيل ما بين أيلة ومصر، وقطعوه في ساعتين فصار ست ساعات {كَالطَّوْدِ} كالجبل. {وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآَخَرِينَ (64)} {وَأَزْلَفْنَا} قربنا فرعون وقومه إلى البحر «ع»، أو جمعنا فرعون وقومه في البحر. {الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78)} {خَلَقَنِى} بنعمته {فَهْوَ يَهْدِينِ} لطاعته، أو خلقني لطاعته فهو يهدين لجنته. {رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (83)} {حُكْماً} لُبّاً، أو علماً، أو نبوة، أو القرآن {بِالصَّالِحِينَ} الأنبياء والمؤمنين. {وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآَخِرِينَ (84)} {لِسَانَ صِدْقٍ} ثناء حسناً من الأمم كلها، أو أن يؤمن به أهل كل ملة، أو يجعل من ولده من يقوم بالحق بعده. {وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ (86)} {لأَبِى} كان يُسِِر الإيمان ويظهر الكفر فيصح اسغفاره له. والأظهر أنه كان كافراً في الباطن أيضاً فسأل أن يغفر له في الدنيا ولا يعاقبه فيها أو يغفر له جنايته عليه التي تسقط بعفوه. {إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)} {سَلِيمٍ} من الشك، أو الشرك «ح» أو المعاصي، أو مخلص، أو ناصح لله تعالى في خلقه. {فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ (94)} {فَكُبْكِبُواْ} جمعوا في النار، أو طرحوا فيها على وجوههم، أو نكسوا فيها على رؤوسهم، أو قلب بعضهم على بعض، {هُمْ} يعني الآلهه. {وَالْغَاوُنَ} المشركون، أو الشياطين. {وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ (95)} {وَجُنُودُ إِبْلِيسَ} أعوانه من الجن أو أتباعه من الإنس. {فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ (100)} {شَافِعِينَ} من الملائكة، أو الناس. {وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ (101)} {حَمِيمٍ} شفيق، أو قريب نسيب، حُم الشيء قرب والحمى لتقريبها من الأجل. قال الشاعر: لعل لبنى اليوم حُم لقاؤها *** ببعض بلاد إنَّ ما حُم واقع أو سمي القريب حميماً من الحمية لأنه يحمى لغضب صاحبه، ذهبت يومئذ مودة الصديق ورقة الحميم. {قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ (111)} {الأَرْذَلُونَ} الذي يسألون ولا يقنعون، أو المتكبرون، أو السفلة، أو الحاكة، أو الأساكفة. {قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ (116)} {الْمَرْجُومِينَ} بالحجارة، أو بالشتم، أو القتل. {فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (118)} {فَافْتَحْ} فاقض ولم يدع عليهم إلا بعد ما قيل له {لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ} [هود: 36]. {أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آَيَةً تَعْبَثُونَ (128)} {رِيعٍ} طريق، أو الثنية الصغيرة، أو السوق، أو الفج بين الجبلين، أو الجبال، أو المكان المشرف من الأرض «ع» {ءَايَةً} بنياناً، أو أعلاماً «ع» أو أبراج الحمام. {تَعْبَثُونَ} باللهو واللعب، أو عبث العشارين بأموال من يمرُّ بهم. {وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ (129)} {مَصَانِعَ} قصوراً مشيدة، أو مآخذ الماء تحت الأرض، أو أبراج الحمام. {لَعَلَّكُمْ} كأنكم تخلدون وهي كذلك في بعض القراءات. {وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ (130)} {جَبَّارِينَ} أقوياء «ع» أو بضرب السياط، أو القتل بالسيف في غير حق، أو القتل على الغضب. {إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ (137)} {خُلُقُ الأَوَّلِينَ} دينهم أو كذبهم، أو عادتهم، أو كان الأولون يموتون فلا يبعثون ولا يحاسبون. {وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ (148)} {هَضِيمٌ} رطب لين «ع»، أو المذنَّب من الرطب، أو ما لا نوى له «ح» أو المتهشم المتفتت، أو الملاصق بعضه ببعض، أو الطلع حين يتفرق ويخضر أو اليانع النضيج «ع» أو المكتنز قبل أن ينشق عنه القشر، أو الرخو، أو اللطيف، والطلع من الطلوع وهو الظهور، ومنه طلعت الشمس والقمر. {وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ (149)} {فَرهين} شرهين أو معجبين، أو آمنين، أو فرحين، أو بطرين أشرين «ع»، أو متخيرين {فَارِهينَ} كيسين، أو حاذقين من فراهة الصنعة «ع»، أو قادرين، أو جمع فاره وهو المرح. {قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (153)} {الْمُسَحَّرِينَ} المسحورين، أو الساحرين، أو المخلوقين «ع»، أو المخدوعين، أو الذي ليس له شيء ولا ملك، أو ممن له سَحَر وهو الرئة، أو ممن يأكل ويشرب. {وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ (182)} {بِالْقِسْطَاسِ} القبان «ح»، أو الحديد، أو المعيار، أو الميزان، أو العدل بالرومية، أو بالعربية من القسط وهو العدل. {وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (183)} {وَلا تَعْثَوْا} لا تمشوا فيها بالمعاصي، أو بالظلم. {وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ (184)} {وَالْجِبِلَّةَ} الخليقة. قال امرؤ القيس: والموت أكبر حادث *** مما يمر على الجبلة {فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (187)} {كِسَفاً} جانباً، أو قطعاً، أو عذباً. {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193)} {الرُّوحُ الأَمِينُ} جبريل عليه السلام. {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195)} {عَرَبِىٍّ مُّبِينٍ} لسان جُرْهم، أو قريش. {وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ (196)} {وَإِنَّهُ} ذكر القرآن، أو ذكر محمد صلى الله عليه وسلم وصفته، أو ذكر دينه وصفته أمته. {لَفِى زُبُرِ الأَوَّلِينَ} التوراة والإنجيل وغيرهما من الكتب. {كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (200)} {سَلَكْنَاهُ} أدخلنا الشرك، أو التكذيب، أو القسوة في قلوب المجرمين. {إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ (212)} {عَنِ السَّمْعِ} عن سمع القرآن لمصروفون، أو عن فهمه وإن سمعوه، أو عن العمل به وإن فهموه. {الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ (218)} {حِينَ تَقُومُ} في الصلاة «ع»، أو من فراشك ومجلسك، أو قائماً وجالساً وعلى حالتك، أو حين تخلو عبّر بالقيام عن الخلوة لوصوله إليها بالقيام عن ضدها. {وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (219)} {فِى السَّاجِدِينَ} من نبي إلى نبي حتى أخرجك نبياً «ع»، أو تقلبك في سجود صلاتك وركوعها، أو ترى بقلبك في صلاتك من خلفك كما ترى بعينك من قدامك، أو تصرفك في الناس، أو تقلب ذكرك وصفتك على ألسنة الأنبياء قبلك، أو حين تقوم إلى الصلاة منفرداً وتقلبك في الساجدين إذا صليت جماعة، قاله قتادة. {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ (224)} {وَالشُّعَرَآءُ} يعني الذين إذا غضبوا سَبُّوا، وإذا قالوا كذبوا {يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُنَ} الشياطين، أو المشركون، أو السفهاء، أو الرواة «ع». {أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ (225)} {وَادٍ يَهِيمُونَ} في كل فن من الكلام يأخذون «ع»، أو في كل لغو يخوضون، أو يمدحون قوماً بباطل، ويذمون قوماً بباطل، والهائم المخالف في القصد، أو المجاوز للحد. {وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ (226)} {وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ} من كذب في شعرهم بمدح، أو ذم، أو تشبيه، أو تشبيب. {إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ (227)} {إِلاَّ الَّذِينَ ءَامَنُواْ} فإنه لا يتبعهم الغاوون، ولا يقولون ما لا يفعلون. ولما نزلت {وَالشُّعَرَآءُ} جاء عبد الله بن رواحة وكعب من مالك وكنا عند الرسول صلى الله عليه وسلم وقالا هلكنا يا رسول الله فنزلت {إِلاَّ الَّذِينَ ءَامَنُواْ}. فقرأها عليهم، وقال: أنتم هم {وَذَكَرُواْ اللَّهَ} في شعرهم، أو في كلامهم، {وَانتَصَرُواْ} بردهم على المشركين ما هجوا به المسلمين {مُنقَلَبٍ} مصير يصيرون إليه من النار والعذاب، والمنقلب الانتقال إلى ضد ما هو فيه، والمرجع العود من حال هو عليها إلى حال كان فيها. {طس تِلْكَ آَيَاتُ الْقُرْآَنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ (1)} {تِلْكَ} أي هذه آيات القرآن وآيات الكتاب والإشارة بتلك عائد إلى السورة، أو إلى الحروف التي هي {طس}. المبين حلاله وحرامه وأمره ونهيه ووعده ووعيده. {هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2)} {هُدىً} إلى الجنة {وَبُشْرى} بالثواب، أو هدى من الضلالة وبشرى بالجنة. {الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (3)} {يُقِيمُونَ الصَّلاةَ} المفروضة باستيفاء فروضها وسننها «ع»، أو بالمحافظة على مواقيتها. {الزَّكَاةَ} زكاة المال، أو زكاة الفطر، أو طاعة الله تعالى والإخلاص، أو تطهير أجسادهم من دنس المعاصي «ع». {إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ (4)} {يَعْمَهُونَ} يترددون «ع»، أو يتمادون، أو يلعبون، أو يتحيرون «ح». {وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآَنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ (6)} {لَتُلَقَّى} لتأخذ، أو لتؤتى، أو لتلقن، أو لتلقف. {حَكِيمٍ} في أمره. {عَلِيمٍ} بخلقه. {إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا سَآَتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آَتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (7)} {ءَانَسْتُ} رأيتُ، أو أحْسَسْتُ، الإيناس: الإحساس من جهة يؤنس بها. {بِخَبْرٍ} بخبر الطريق لأنه كان ضلها «ع»، أو سأخبركم عنها بعلم. {بِشهَابٍ} الشعاع المضيء ومنه شهب السماء. {قَبَسٍ} قطعة من نار، اقتبس النار أخذ قطعة منها، واقتبس العلم لاستضاءته به كما يستضيء بالنار {لَّعَلَّكُمْ} لكي تصطلوا من البرد وكان شتاء. {فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (8)} {جَآءَهَا} جاء النور الذي ظنه ناراً وقف قريباً منها فوجدها تخرج من شجرة خضراء شديدة الخضرة يقال لها العليق، لا تزداد النار إلا تضرماً ولا تزاد الشجرة إلا خضرة وحسناً {بُورِكَ} قُدِس «ع»، أو تبارك، أو البركة في النار. {النَّارِ} نار فيها نور، أو نور لا نار فيه عند الجمهور {مَن فِى النَّارِ} مَنْ: صلة تقديره بوركت النار، أو بورك النور الذي في النار، أو بورك الله الذي في النور أو الملائكة، أو الشجرة لأن النار اشتعلت فيها وهي خضراء لا تحترق. {وَمَنْ حَوْلَهَا} الملائكة، أو موسى عليه الصلاة والسلام. {وَسُبْحَانَ اللَّهِ} من كلام الله تعالى لموسى، أو قاله موسى لما سمع الكلام وفزع استعانة بالله تعالى وتنزيهاً له، وسمع موسى كلام الله تعالى من السماء عند الشجرة وحكى النقاش أن الله تعالى خلق في الشجرة كلاماً حتى خرج منه فسمعه موسى عليه الصلاة والسلام ولا خبر فيما ذكره من ذلك. قال وهب لم يمس موسى عليه الصلاة والسلام امرأة بعد ما كلمه ربه. {وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآَهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (10)} {جَآنٌّ} الحية الصغيرة سميت بذلك لاختفائها واستتارها، أو الشيطان لأنهم يشبهون كل ما استهولوه بالشياطين لقوله: {طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشياطين} [الصافات: 65] وقد كان انقلابها إلى أعظم الحيات وهي الثعبان. قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: ولما توجه إلى مدين أعطاه العصا ملك من الملائكة. {وَلَمْ يُعَقِّبْ} لم يرجع، أو لم ينتظر، أو لم يلتفت. {لا يَخَافُ لَدَىَّ} أي لا يخافون في الموضع الذي يوحى إليهم فيه وإلا فهم أخوف الخلق لله تعالى. {إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (11)} {إِلا مَن ظَلَمَ} من غير المرسلين فيكون الاستثناء منقطعاً، أو أراد آدم ظَلَم نفسه بأكل الشجرة، أو يخافون مما كان منهم قبل النبوة كقتل موسى للقبطي، أو يخافون من الصغائر بعد النبوة لأنهم غير معصومين منها. {وَلَقَدْ آَتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ (15)} {عِلْماً} فهماً، أو قضاء، أو علم الدين، أو منطق الطير، أو بسم الله الرحمن الرحيم، أو صنعة الكيمياء. وهو شاذ {فَضَّلَنَا} بالنبوة، أو الملك، أو العلم. {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ (16)} {وَوَرِثَ سُلَيْمانُ} نبوة داود وملكه، أو سخر له الشياطين والرياح، أو استخلفه في حياته على بني إسرائيل فسمي ذلك وراثة، وكان لداود تسعة عشر أبناً. {وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (17)} {يُوزَعُونَ} يساقون، أو يدفعون، أو يدفع أخراهم ويوقف أولاهم، أو يسحبون، أو يجمعون، أو يحبسون، أو يُمْنعون، وَزَعه عن الظلم: منعه منه، وقالوا لا بد للسلطان من وَزْعه: أي من يمنع الناس عنه، وقال عثمان: ما وزع الله بالسلطان أكثر مما وزع بالقرآن، والمراد بهذا المنع أن يرد أولهم على آخرهم ليجتمعوا ولا يتفرقوا. {حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (18)} {وَادِ النَّمْلِ} بالشام، وكان للنملة جناحان فعلم منطقها لأنها من الطير ولولا ذلك لما علمه، قاله الشعبي. {يَحْطِمَنًّكُمْ} يهلكنكم {وَهُمْ} والنمل {لا يَشْعُرُونَ} بسليمان وجنوده، أو وسليمان وجنوده لا يشعرون بهلاك النمل، قيل سمع كلامها من ثلاثة أميال حملته الريح إليه. وسميت نملة لتنملها، وهو كثرة حركتها وقلة قرارها. {فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ (19)} {فَتَبَسَّمَ} من حذرها بالمبادرة أو من ثنائها عليه، أو من إستبقائها النمل قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما! فوقف سليمان وجنوده حتى دخل النمل مساكنه. {أَوْزِعْنِى} ألهمني، أو اجعلني «ع»، أو حرضني {أّنْ أَشْكُرَ} سبب شكره علمه بمنطق الطير حتى فهم قولها أو حمل الريح صوتها إليه حتى سمعه من ثلاثة أميال فأمكنه الكف. {صَالِحاً} شكر ما أنعم عليه به. {بِرَحْمَتِكَ} بنبوتك، أو بمعونتك التي أنعمت بها عليّ. {فِى عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ}. الأنبياء، أو الجنة التي هي دار الأولياء. {وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ (20)} {وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ} كان إذا سافر أظله الطير من الشمس، فلما غاب الهدهد أتت الشمس من مكانه وكانت الأرض للهدهد كالزجاج يرى ما تحتها فيدل على مواضع الماء حتى تحفر {أمْ كَانَ مِنَ الْغَآئِبِينَ} أي انتقل عن مكانه، أو غاب. {لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (21)} {لأُعَذِّبَنَّهُ} بنتف ريشه حتى لا يمتنع من شيء «ع»، أو بإحواجه إلى جنسه، أو بجعله مع أضداده. {بِسُلْطَانٍ} حجة بَيِّنة أو عذر ظاهر. {فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (22)} {أَحَطتُ} بلغت، أو علمت، أو اطلعت «ع»، والإحاطة: العلم بالشيء من جميع جهاته. {سَبَإٍ} مدينة بالمين يقال لها مأرب بينها وبين صنعاء ثلاث ليالي، أو حَيُّ من اليمن سموا بأسم أمهم، أو سئل الرسول صلى الله عليه وسلم عن سبأ فقال: «هو رجل وُلِدَ له عشرة أولاد باليمن منه ستة وبالشام أربعة فأما اليمانيون؛ فمذحج وحمير وكندة وأنمار والأزد والأشعريون. وأما الشاميون فلخم وجذام وعاملة وغسان» وقيل هو سبأ بن يعرب بن قحطان سمي سبأ لأنه أو من سبى. {إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ (23)} {امْرَأَةً} بلقيس بنت شراحيل أو شرحبيل بن مالك بن الريان وأمها جنية. {مِن كُلِّ شَىْءٍ} في أرضها، أو من أنواع الدنيا كلها. {عَرْشٌ} سرير، أو كرسي، أو مجلس، أو ملك. {عَظِيمٌ} كريم، أو حسن الصنعة، أو كان ذهباً مستراً بالديباج والحرير قوائمه لؤلؤ وجوهر. وكان يخدمها ستمائة امرأة، وأهل مشورتها ثلاثمائة واثنا عشر رجلاً؛ كل رجل على عشرة آلاف رجل. {أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (25)} {الْخَبْءَ} غيب السماوات والأرض، أو خبء السماوات المطر وخبء الأرض: النبات، والخبء المخبوء وصفه بالمصدر، والخبء في اللغة ما غاب واستتر. {أَلا يَسْجُدُواْ} من قول الله، أمر خلقه بالسجود أو من قول الهدهد تقديره يا هؤلاء اسجدوا. {اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهِ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ (28)} {ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ} كن قريباً منهم «ع» أو تقديره «فألقه إليهم فانظر ماذا يرجعون ثم تول عنهم» أخذ الهدهد الكتاب بمنقاره وجعل يدور في بهوها، فقالت: ما رأيت خيراً منذ رأيت هذا الطير في بهوي فألقى الكتاب إليها، أو ألقاه على صدرها وهي نائمة. {قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ (29)} {كَرِيمٌ} لحسن ما فيه، أو مختوم، أو لكرم صاحبه وأنه ملك، أو لتسخيره الهدهد لحمله. {إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (30)} وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يكتب باسمك اللهم فلما نزلت {بِسْمِ الله مَجْرَاهَا} [هود: 41] كتب بسم الله فلما نزلت {أَوِ ادعوا الرحمن} [الأسراء: 110] كتب بسم الله الرحمن فلما نزلت {أَوِ ادعوا الرحمن} الآية كتب بسم الله الرحمن الرحيم. {أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (31)} لا تَعْلُوا: لا تخافوا، أو لا تتكبروا، أو لا تمتنعوا {مُسْلِمِينَ} مستسلمين، أو موحدين «ع»، أو مخلصين، أو طائعين. {قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ (32)} {أَفْتُونِى} أشيروا عَلَيَّ. {قَاطِعَةً} ممضية {تَشْهَدُونِ} تشيروا، أو تحضروا. {قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ (33)} {قُوَّةٍ} عدد وعدة. {بَأْسٍ} شجاعة وآلة تفويضاً منهم الأمر إليها، أو إجابة منهم إلى قتاله. {قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (34)} {دَخَلُواْ قَرْيَةً} أخذوها عنوة «ع». {أَفْسَدُوهَا} أخربوها. {أَذِلَّةً} بالسيف، أو الاستعباد. {وَكّذَلِكَ يَفْعَلُونَ}. من قول الله إنهم يفسدون القرى «ع»، أو قالت بلقيس وكذلك يفعل سليمان إذا دخل بلادنا. {وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ (35)} {بِهَدِيَّةٍ} لبنة من ذهب «ع»، أو صحائف الذهب في أوعية الديباج، أو جوهر، أو غلمان ولباسهم لباس الجواري وجواري لباسهم لباس الغلمان، ثمانون غلاماً وجارية أو ثمانون غلاماً وثمانون جارية وقصدت بالهدية استعطافه لعلمها بموقع الهدايا من الناس، أو اختبرته فإن قبل هديتها فهو مَلِك فتقاتله وإن لم يقبلها فهو نبي فلا طاقة لها به، أو اختبرته بأن يميز الجواري من الغلمان فأمرهم بالوضوء فاغترف الغلام بيده وأفرغت الجارية على يدها فميزهم بذلك، أو يغسل الغلمان ظهور السواعد قبل بطونها وغسل الجواري بطون السواعد قبل ظهورها، وبدأ الغلمان بغسل المرافق إلى الأكف وبدأ الجواري من الأكف إلى المرافق. {فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آَتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آَتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ (36)} {فَلَمَّا جَآَءَ} رسلها، أو هداياها {أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ} أمر الشياطين فموهوا لبِن المدينة وحيطانها بالذهب والفضة وبعثت إليه بعصا كان يتوارثها ملوك حمير، وطلبت أن يميز أعلاها من أسفلها، ويقدح التمست أن يملأه ماء فريداً لا من الأرض ولا من السماء وبخرزتين ليثقب أحدهما وليدخل في ثقب الأخرى خيطاً وكان ثقبها أعوج فلما جاء رسلها وكانوا رجالاً أو نساء قال {أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَآ ءَاتَانِ اللَّهُ} من النبوة والملك {خَيْرٌ مِّمَّآ ءَاتَاكُم} من المال. ثم ميز الجواري من الغلمان وأرسل العصا إلى الهواء وقال أي الرأسين سبق إلى الأرض فهو أسفلها وأجريت الخيل حتى عرقت فملأ القدح من عرقها، وثقب إحدى الخرزتين وأدخل الخيط في الأخرى فهال الرسل ما شاهدوه منه. {ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ (37)} {ارْجِعْ إِلَيْهِمْ} أيها الرسول بما جئت به من الهدايا، أو أمر الهدهد بالرجوع وأن يقول: {فَلَنَأْتِيَنَّهُم بِجُنُودٍ لا قِبَلَ} لا طاقة، وصدق لأن من جنوده الجن والإنس والطير والريح. {وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَآ} أخبرهم بما يصنع بهم ليبادروا إلى الإسلام. فلما رجعت إليها الهدايا قالت: قد والله علمت ما هذا بملك ولا طاقة لنا به ثم أرسلت إليه إني قادمة عليك بملوك قومي وأمرت بعرشها فجُعِل في سبعة أبيات بعضها في بعض وأغلقت عليه الأبواب وشخصت إليه في اثني عشر ألف قيل من ملوك اليمن فلما علم بقدومها. {قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (38)} {قَالَ يَآ أيُّهَا الْمَلَؤُاْ أَيُّكُمْ يَأْتِينِى بِعَرْشِهَا} أراد أن يعلم بذلك صدق الهدهد «ع» أو أعجبه لما وصفه الهدهد فأراد أخذه قبل أن يَحْرُمَ عليه بإسلامها، أو أراد أن يعايها، وكانت الملوك يتعايون بالملك والقدرة، قاله ابن زيد، أو أراد اختبار فطنها هل تعرفه أو تنكره، أو أراد أن يعرفها بذلك صحة نبوته قاله وهب بن منبه. {مُسْلِمِينَ} طائعين أو على دين الحق. {قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آَتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (39)} {عِفْرِيتٌ}، وهو المارد القوي والعفريت البالغ من كل شيء أُخِذ من قولهم فلان عفرية نفرية إذا كان مبالغاً في الأمور، أو من العفر وهو الشديد فزيدت فيه الهاء فقيل عفريه وعفريت. {مَّقَامِكَ} مجلسك، أو يوماً كان يوم فيه سليمان عليه الصلاة والسلام خطيباً يعظهم ويذكرهم وكان مجيء ذلك اليوم قريباً أو أراد قبل أن تسير إليهم من ملكك محارباً، {لَقَوِىٌ} على حمله {أَمِينٌ} على ما فيه من جوهر ولؤلؤ أو لا آتيك بغيره بدلاً منه أو أمين على فرج المرأة. {قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آَتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآَهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (40)} {الَّذِى عِندَهُ عِلْمٌ} مَلَك أُيَّد به سليمان عليه الصلاة والسلام والعلم الذي عنده هو ما كتب الله تعالى لبني آدم وقد أعلم الله تعالى الملائكة كثيراً منه فأذن الله له أن يعلم سليمان ذلك وأن يأتيه بالعرش أو بعض جنوده من الإنس أو الجن، وعلم الكتاب: علمه بكتاب سليمان إلى بلقيس وعلم أن الريح مسخرة لسليمان وأن الملائكة تعينه فوثق بذلك وأخبره أن يأيته به قبل ارتداد طرفه، أو هو سليمان قال ذلك للعفريت، أو هو بعض الإنس: مليخا أو أسطوم أو آصف بن برخيا وكان صدِّيقاً، أو ذو النون مصر، أو الخضر {عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ} هو اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب. {يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ} يأتيك أقصى من تنظر إليه أو: قبل أن يعود طرفك إلى مد بصرك أو يعود طرفك إلى مجلسك أو قبل الوقت الذي يتنظر وروده فيه من قولهم أنا ممتد الطرف إليك أي منتظر أو قبل أن يرجع إليك طرف رجائك خائباً لأن الرجاء يمد الطرف والإياس يقصره، أو قبل أن يقبض طرفك بالموت أخبره أنه سيأتيه به قبل موته ودعا بالاسم الأعظم وعاد طرف سليمان عليه الصلاة والسلام إليه فإذا العرش بين يديه ولم يكن سليمان عليه الصلاة والسلام يعلم ذلك الإسم {هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّى} وصول العرش قبل ارتداد طرفي، {ءَأَشْكُرُ} على وصوله {أَمْ أَكْفُرُ} فلا أشكر إذا رأيت من هو أعلم مني في الدنيا وكان ذلك معجزة لسليمان عليه الصلاة والسلام أجراها الله تعالى على يد بعض أوليائه وكان العرش باليمن وسليمان بالشام قيل خرق الله تعالى به الأرض حتى صار بين يديه. {قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ (41)} {نَكِّرُواْ} غيروه بانتزاع ما عليه من فصوص وجواهر ومرافق «ع» أو بجعل ما كان أحمر أخضر وما كان أخضر أحمر، أو بالزيادة فيه والنقصان منه، أو بجعل أعلاه أسفله ومقدمه مؤخره أو جعل فيه تمثال السمك. {أَتَهْتَدِى} إلى الحق بعقلها أم تكون من الذين لا يعقلون، أو تعرف العرش بفطنتها أم تكون ممن لا يفطن ولا يعرف. {فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ (42)} {كَأَنَّهُ هُوَ} لما خلفته وراءها فوجدته أمامها منعها معرفتها به من إنكاره وتركها له خلفها من إثباته، أو لأنها رأت فيه ما تعرفه فلم تنكره وما غيِّر وبدل فلم تثبته، أو شبهوا عليه بقولهم {أَهَكَذَا عَرْشُكِ} فشبهت عليهم بقولها: {كَأَنَّهُ هُوَ} ولو قالوا هذا عرشك لقالت نعم. {وَأُوِتينَا} قاله سليمان عليه الصلاة والسلام، أو بعض قومه. {الْعِلْمَ} بمعرفة الله تعالى وتوحيده، أو النبوة، أو علمنا أنه عرشها قبل أن نسألها. {مُسْلِمِينَ} طائعين لله تعالى بالاستسلام له، أو مخصلين له بالتوحيد. {وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ (43)} {وَصَدَّهَا} عبادة الشمس أن تعبد الله تعالى، أو صدها كفرها أن تهتدي للحق، أو صدها سليمان عما كانت تعبد في كفرها، أو صدها الله تعالى عن الكفر بتوفيقها للإيمان. {قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (44)} {الصَّرْحَ} بكرة بنيت من قوارير، أو صحن الدار، وصرحه الدار وساحتها وباحتها وقاعتها كلها واحد من التصريح وهو الإظهار، أو القصر. {حَسِبَتْهُ لُجَّةً} لأنه أمر الجن أن يبنوه من قوارير في ماء فبنوه وجعلوا حوله أمثال السمك فأمرها بالدخول إليه لأنها وصفت له فأحب أن يراها وكانت هلباء الشعر وقدماها كحافر حمار وأمها جنية وخافت الجن إن تزوجها أن تطلعه على أشياء كانت الجن تخفيها ويبعد أن يتولد بين الإنس والجن ولد لأن الجن لطيف والإنس كثيف. {وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا} فرأهما شعراوين فصنعت له الجن النورة وقصد بدخولها الصرح. وكشف ساقيها اختبار عقلها، أو أُخبر أن ساقيها ساق حمار فأراد أن يعلم ذلك، أو أراد تزوجها فأحب مشاهدتها. {مُّمَرَّدٌ} مملس، أو واسع في طوله وعرضه. {ظَلَمْتُ نَفْسِى} بالشرك، أو ظنت أن سليمان أراد تغريقها لما أمرها بدخول الصرح فلما بان أنه صرح علمت أنها ظلمت نفسها بذلك الظن، قاله سفيان. {وَأَسْلَمْتُ} استسلمت طاعة لله قبل تزوجها سليمان عليه الصلاة والسلام، واتخذ لها بالشام حماماً ونورة، وكان أول من اتخذ ذلك. {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ (45)} {فَرِيقَانِ} مؤمن وكافر، أو مصدق ومكذب. {يَخْتَصِمُونَ} بقولهم {أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحاً مُّرْسَلٌ مِّن رَّبِّهِ} [الأعراف: 75]، أو يقول كل فريق: نحن على الحق دونكم. {قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (46)} {بِالسَّيِّئَةِ} بالعذاب قبل الرحمة؛ لقولهم: {ائتنا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ المرسلين} [الأعراف: 77]، أو بالبلاء قبل العافية. {تَسْتَغْفِرُونَ} بالتوبة، أو بالدعاء. {تُرْحَمُونَ} بالكفاية أو الإجابة. {قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ (47)} {اطَّيَّرْنَا} تشاءموا به لافتراق كلمتهم، أو للشر الذي نزل بهم. {طَآئِرُكُمْ} مصائبكم «ع»، أو عملكم. {تُفْتَنُونَ} بالطاعة والمعصية، أو تصرفون عن الإسلام الذي أمرتم به. {وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ (48)} {رَهْطٍ} الرهط: جمع لا واحد له وهم عاقرو الناقة: فُسَّاق من أشراف قومهم. {يُفْسِدُونَ} بالكفر ولا يصلحون بالإيمان، أو بالمنكر ولا يصلحون بالمعروف، أو بالمعاصي ولا يصلحون بالطاعة، أو بقطع الدنانير والدراهم ولا يصلحون بتركها صحاحاً، أو يتبعون عورات الناس ولا يسترون عليهم. {قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (49)} {تَقَاسَمُواْ} تحالفوا. {لَنُبَيِّتَنَّهُ} لنقتلنه ليلاً. البيات قتل الليل. {لِوَلِيِّهِ} لرهط صالح {مَهْلِكَ أَهْلِهِ} قتلهم {لَصَادِقُونَ} في إنكار القتل. {وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (50)} {وَمَكَرُواْ} عزموا على بياته {ومكر الله} بهم فرماهم بصخرة فهلكوا أو أظهروا أنهم خرجوا مسافرين فاستتروا في غار ليعودوا في الليل فيقتلوه فألقى الله تعالى صخرة فسدت عليهم فم الغار {لا يَشْعُرُونَ} بمكرنا أو بالملائكة الذي أرسلوا لحفظ صالح من قومه لما دخلوا عليه ليقتلوه فرموا كل رجل منهم بحجر فقتلوهم جميعاً. {وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (54)} {تُبْصِرُونَ} أنها فاحشة، أو يبصر بعضكم بعضاً. {أَمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (60)} {حَدَآئِقَ} النخل، أو الحائط من الشجر والنخل. {بَهْجَةٍ} غضاضة، أو حُسْن. {مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُواْ} لا تقدرون على خلق مثلها {أَءِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ} يفعل هذا، أو نفي للآلهة. {يَعْدِلُونَ} عن الحق، أو يشركون فيجعلون له عِدْلاً. {أَمْ مَنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (61)} {قَرَاراً} مستقراً. {خِلالَهَآ} في مسالكها ونواحيها. {الْبَحْرَيْنِ} بحر السماء وبحر الأرض، أو بحر فارس والروم، أو بحر الشام والعراق، أو العذب والمالح. {حَاجِزاً} مانعاً من الله تعالى لا يبغي أحدهما على صاحبه، أو حاجزاً من الأرض أن يختلطا. {لا يَعْلَمُونَ} التوحيد، أو لا يعقلون، أو لا يتفكرون. {أَمْ مَنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (62)} {السُّوءَ} الضر، أو الجور. {خُلَفَآءَ} خلفاً بعد خلف، أولادكم خلفاً منكم، أو خلفاً من الكفار ينزلون أرضهم بطاعة الله تعالى بعد كفرهم. {مَّا تَذَكَّرُونَ} النعم. {بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآَخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ (66)} {ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ} هذا ذم أي غاب علمهم «ع»، أو لم يدرك علمهم، أو اضمحل أو ضل، أو هو مدح لعلمهم وإن كانوا مذمومين أي أدرك علمهم، أو أجمع، أو تلاحق. {قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ (72)} {رَدِفَ لَكُم} قرب منكم «ع»، أو أعجل لكم، أو تبعكم، ورِدْف المرأة لأنه تبع لها من خلفها. {بَعْضُ الَّذِى تَسْتَعْجِلُونَ} يوم بدر، أو عذاب القبر. {وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (75)} {غَآئِبَةٍ} جمع ما خفي عن الخلق، أو القيامة، أو ما غاب عنهم من عذاب السماء والأرض. {كِتَابٍ مُّبِينٍ} اللوح المحفوظ، أو القضاء المحتوم. {وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآَيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ (82)} {وَقَعَ الْقَوْلُ} حق عليهم القول أنهم لا يؤمنون، أو وجب الغضب، أو وجب السخط عليهم إذا لم يأمروا بالمعروف ولم ينهوا عن المنكر، أو نزل العذاب. {دَآبَّةً} سئل عنها علي رضي الله تعالى عنه فقال: «أما والله ما لها ذَنَبْ وإن لها للحية» إشارة إلى أنها من الإنس، أو هي من دواب الأرض عند الجمهور ذات زغب وريش لها أربع قوائم «ع»، أو ذات وَبَر تناغي السماء، أو لها رأس ثور وعينا خنزير وأذنا فيل وقرن أيل وعنق نعامة وصدر أسد ولون نمر وخاصرة هر وذنب كبش وقوائم بعير بين كل مفصلين أثنا عشر ذراعاً رأسها في السحاب. معها عصا موسى وخاتم سليمان فتنكت في مسجد المؤمن نكتة بيضاء فتبيض وجهه. وتنكت في وجه الكافر بخاتم سليمان فتسود وجهه. قاله ابن الزبير. {مِّنَ الأَرْضِ} بعض أودية تهامة «ع»، أو صخرة من شِعْب أجياد، أو الصفا، أو بحر سدوم. {تَكْلِمُهم} مخففاً تَسِمُ وجوههم بالبياض والسواد حتى يتنادون في الأسواق يا مؤمن يا كافر، قال: الرسول صلى الله عليه وسلم: «تخرج الدابة فتسم الناس على خراطيمهم، أو تجرحهم فيختص هذا بالكافر والمنافق»، وجرحهما بإظهار الكفر والنفاق كجرح الشهود بالتفسيق {تُكَلِّمُهُمْ} عبّر عن ظهور الآيات منها بالكلام من غير نطق، أو تنطق فتول هذا مؤمن وهذا كافر، أو تقول {أَنَّ النَّاسَ كَانُواْ بِآيَاتِنَا لا يُوقِنُونَ} قاله ابن مسعود وعطاء، قال ابن عمر: رضي الله تعالى عنه تخرج ليلة النحر والناس يسيرون إلى منى. {وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآَيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ (83)} {مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً} وهم كفارها. {بِآيَاتِنَا} محمد صلى الله عليه وسلم، أو بالرسل عند الأكثرين. {يُوزَعُونَ} يجمعون، أو يدفعون، أو يساقون، أو يرد أولاهم على أخراهم. {وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ (87)} {وَيَوْمَ يُنفَخُ} يوم النشور من القبور. {الصُّورِ} جمع صورة ينفخ فيها أرواحها، أو شيء كالبوق يخرج منه صوت يحيى به الموتى، أو مثل ضُرب لخروج الموتى في وقت واحد كخروج الجيش عند نفخ البوق. {فَفَزِعَ} أسرع إلى إجابة النداء فزعت إليك في كذا أسرعت إلى ندائك في معونتك. {إِلا مَن شَآءَ اللَّهُ} استثناء من الإسراع والإجابة إلى النار، أو الفزع الخوف والحذر لأنهم أزعجوا من أجداثهم فخافوا {إِلا مَن شَآءَ اللَّهُ} فلا يفزعون وهم الملائكة أو الشهداء، وقيل إن إسرافيل هو النافخ في الصور. {دَاخِرِينَ} راغمين، أو صاغرين «ع» فالفزع في النفخة الأولى وإتيانهم صاغرين في النفخة الثانية. {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ (88)} {جَامِدَةً} واقفة {تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ} لا يرى سيرها لبعد أطرافها، مثل ضُرب للدنيا تظن أنها واقفة كالجبال وهي آخذة بحظها من الزوال، أو للإيمان تحسبه ثابتاً في القلب وعلمه صاعد إلى السماء. {أَتْقَنَ} أحكم، أو أحصى، أو أحسن، أو أوثق سريانية، أو عربية من إتقان الشيء إذا أُوثق وأحكم، وأصله التقن وهو ما ثقل في الحوض من طينة. {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آَمِنُونَ (89)} {بِالْحَسَنَةِ} أداء الفرائض كلها، أو التوحيد والإخلاص. {خَيْرٌ مِّنْهَا} الجنة، أو أفضل: بالحسنة عشر، أو فله منها خير الثواب العائد عليه «ع» {مِّن فَزَعٍ} القيامة. {ءَامِنُونَ} في الجنة، أو من فزع الموت في الدنيا آمنون في الآخرة. {وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (90)} {بِالسَّيِّئَةِ} الشرك «ع». {إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (91)} {الْبَلْدَةِ} مكة، أو منى {حَرَّمَهَا} بتعظيم حرمتها والكف عن صيدها وشجرها {وَلَهُ كُلُّ شَىْءٍ} ملكه فيحل منه ما يشاء ويحرم ما يشاء. {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آَيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (93)} {سَيُرِكُمْ ءَايَاتِهِ} في الآخرة {فَتَعْرِفُونَهَا} على ما قال في الدنيا «ح» أو يريكم في الدنيا آيات السموات والأرض فتعرفون أنها حق. {تَعْمَلُونَ} من خير وشر فيجازي عليه. {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4)} {عَلا} بملكه وسلطانه، أو بقتله أبناء بني إسرائيل واستعبادهم، أو بإدعائه الربوبية وكفره. {الأَرْضِ} مصر. لأنه لم يملك الأرض كلها. وعلوِّه لغلبته وقهره، أو لكبره وتجبره. {شِيَعاً} فرقاً؛ فرق بني إسرائيل والقبط، استضعف طائفة بني إسرائيل بالاستعباد والأعمال القذرة {يُذَبِّحُ أَبْنَآءَهُمْ} رأى في نومه ناراً أقبلت من القبلة واشتملت على بيوت مصر فأحرقت القبط وتركت بني إسرائيل فسأل عن تأويلها، فقيل يخرج من هذا البلد رجل يكون على يده هلاك مصر. فأمر بذبح أبنائهم وأسرع الموت في شيوخ بني إسرائيل. فقيل له قد فني شيوخ بني إسرائيل بالموت وصغارهم بالقتل فاستبقهم لعملنا وخدمتنا فأمر أن يقتلوا عاماً ويتركوا عاماً فولد هارون عام الاستحياء وموسى عام القتل، وعاش فرعون أربعمائة سنة وهو أو من خضب بالسواد. وكان قصيراً دميماً. وعاش موسى عليه الصلاة والسلام مائة وعشرين سنة. {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5)} {الَّذِينَ اسْتُضْعِفُواْ} بنو إسرائيل، أو يوسف وولده: قاله قتادة. {أَئِمَّةً} ولادة الأمر، أو قادة متبوعين، أو أنبياء لأن الأنبياء بين موسى وعيسى كانوا من بني إسرائيل وكان بينهما ألف ألف نبي. قاله الضحاك. {الْوَارِثِينَ} للملك، أو لأرض فرعون.
|